هذه الكلمات كتبها المهندس عبد الناصر اثناء حبسه العام الماضى فى سجن الزقازيق العمومى. من حين لآخر أعود لها لأقرأها ففكرت أن أنقلها هنا لتقرؤها معى أيضا....وهى بعنوان (أدب السجون) تعلمت في سجني أن أعيش يومي فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ولا الغد الذي لم يأت بعد .. بل يومي الذي أظلتني شمسه (ولكن نحن لا نري الشمس في هذا السجن) ويومي الذي أدركني نهاره (الذي لا يدلنا عليه إلا الساعة فنور المصباح هو الذي ينير لنا نهار وليل ولا نرى من دونه) .. فحسب عمري يوم واحد وكأني ولدت فيه وأموت فيه .. حينها لا أتعثر بين هاجسي الماضي وهمه وغمه وبين توقع المستقبل وشبحه وزحفه .. إنما أصرف تركيزي واهتمامي لهذا اليوم فقط .. وأتيقن أن نجاتي في هذا اليوم تتوقف على صلاة خاشعة وتلاوة بتدبر وإطلاعاً بتأمل وذكراً بحضور ودعاءاً بخشوع واتزانا في التصور وحُسناً في خلق ورضاً بالمقسوم واهتماماً بالمظهر و اعتناء بالجسم ونفعاً للآخرين..أجعل من يومي الذي أنا فيه ساعات مقسمة وأجعل من دقائقه سنوات ومن ثوانيه شهوراً, أزرع فيه الخير وأسدي فيه الجميل أستغفر فيه من الذنب وأذكر فيه الرب وأتهيأ للرحيل .. وأعيش هذا اليوم فرحاً ومسروراً وأمناً وسكينة أرضى فيه بما أنا فيه وأحمد الله أن لي صلة بزوجتي وأطفالي وبيتي عن طريق رسالة أو زيارة قصيرة عشرة دقائق كل أسبوع.. أعيش هذا اليوم الأول والأخير بلا حزن ولا انزعاج ولا سخط و لا حقد وأتذكر قول ربنا (فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) وأكتب على لوح قلبي عبارة واحدة تقول (يومك .. يومك) فتعلمت من ذلك الكثير حيث أستثمره كل لحظة في هذا اليوم في بناء كياني وتنمية مواهبي وتزكية نفسي وأقول: لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هُجراً أو فُحشاً أو سباً أو غيبة وأتزن في كلامي وحركاتي لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربى وتأدية صلاتي والتزود بالنوافل وتعهد مصحفي والنظر في كتبي وحفظ فائدة ومطالعة كتاب نافع.لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه الأهواء التي تراكمت عليه سنين الحرية وأغسله مما علق به من عُجب أو رياء أو سوء ظن.لليوم فقط سوف أعيش فأنفع الآخرين وأسدي الجميل إلى الغير أطعم جائعاً وأفرج عن مكروب.. أقف مع مظلوم أواسي منكوب أرحم ضعيف أدعو عاصياً أشجع طائعاً.لليوم فقط سأعيش فيا ماضي ذهب وانتهى أغرب كشمسك فلن أبكى عليك ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة, ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجل ميلاد مفقود فاكتشاف أن "يوم يومك" أروع كلمة في قاموس السعادة للمقهورين والسجناء المظلومين.أما المستقبل الذي لم يأت فلا أستبقه (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) إن غداً آت لا محالة معه أحداثه فلماذا أشغل نفسي به وأتوجس من مصائبه وأهتم لحوادثه ولا أدري هل يُحال بيني وبينه أو ألقاه فإذا هو سرور وحبور .. علينا لا نعبر جسراً حتى نأتيه.إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له.وإن تعجب فعجب هؤلاء يقترضون الهم نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم يشرق شمسه ولم ير النور.تعلمت كذلك أن أنتقى ما أتذكره فلا أستحضر من الماضي إلا العبرة وأنتقى من أحلامي فلا أصرف ذهني وتصوراتي إلا لما يكون طموحاً لي في المستقبل.. فتعلمت أن أنقد ذاتي بموضعية وأواجهها في شجاعة وتعلمت أن أصنع وعوداً وعهوداً لإصلاح ما أفسده الماضي لأحقق سعادة المستقبل.. ولكني كذلك تعلمت أن أضع قيداً ثابتاً في كل ذلك هذا هو أنني قد لا يكون لي غداّ أو قد يكون غدي في سجني وأنني قد لا أرى شمساً إلا أثناء العرض كل 15 يوم..نعم قد تشتد الأزمات أحياناً ولكن سيظل الفرج أملاً يطل بنوره مهما طال حصاره. إن ما يجرى الآن من تجبر الفاسدين هو دأب الطغاة والظالمين عبر حقب التاريخ المتتالية وهو نهج المستكبرين مع أهل الإصلاح والتغيير.. وكلهم أفنتهم " لا حول ولا قوة إلا بالله" وزلزلتهم " حسبنا الله ونعم الوكيل " وهما لا زالا في الوجود لا تفنيان أبداً لأنهما لا ترتبطان بالعباد بل برب العباد الذي لا يفنى أبداً.كم هو مر طعم الظلم والقهر وسلب الحرية وكم هو بشع أن تتعامل مع قساة القلوب وكلح الوجوه وباردي الدماء وعديمي المروءة وسليبي الشهامة والرجولة.. أولئك الأذناب لكل طاغية .أشباه الرجال وما هم بالرجال لا يملكون من مقومات الرجولة إلا صوت أرعن وجسد حيوان وخيلاء شيطان...برؤيتهم تتأذى العيون وتنقبض الصدور وتغتم القلوب ويطفأ نور الوجه وتُسلب البسمة من على الشفاه.... الفساد فى أعقابهم يجرونه ذيلاً والأذى يحل أينما حلوا والظلم كأسهم المفضل يتلذذون بممارسة القهر على أولياء الله ويفتخرون بتحجيم دعوة الله ونوره... يتعاهدون مع الشياطين وهم لهم غالبون وينشرون عدواهم أينما حلوا... لا تنفعهم نصيحة ولا تردهم آية أو حديث ولا يتعظون من شيخ جليل أو عالم تقي.. لا يهتزون لدعوات المظلومين عليهم ولا يوقفهم انهيار الضعفاء بين أيديهم ولا يرقون لعين منكسرة أغرورق الدمع فيها حتى فاض منها... رأوا الحياة طويلة فغرهم الأمل وطال حلم الله عليهم فغرتهم العافية من أخذه.. إنهم ظل الشيطان بين الناس.. كم أتمنى لهم الهداية وإلا النهاية... فالحياة بهم عليلة وعدم وجودهم فيها غنيمة.وبين هؤلاء المتجبرين وبين دعاة التغيير والإصلاح أجد فجوة ليس لها ردم إلا برحمة الله ثم قوته.صدقت يا عمر الفاروق يوم قلت " اللهم أني أعوذ بك من جَلَدِ الفاجر وعَجْزِ الثقة".. آه لو عجز الثقات أمام جلد الفجار لكان ضياع وحصار للأمل ما أشده حصار.آه لو أصبح الدعاة عاجزين ضعفاء يفتقدون شجاعة المواجهة ويرضون بفتات الحرية الذي يُلقى لهم من فجار هذا الزمان.. تصيبهم مطارق الظلم ولا يدفعون عن أنفسهم إلا بأذرع تحمى رؤوسهم من الهشم وحسب.. هناك وحينها فلا تنتظر للحق راية على أيديهم وارقب فيهم موعود الله بالتبديل... من وهب نفسه للآخرين فلا يخف على دنياه.وإن لكل نصر طليعة وطلائع النصر هم وقود المعركة يحترقون لتحيا الأمة ويصير رفاتهم نور يسري فى جسد الأمة الميتة فيحييه من جديد.. فأين المشمرون؟ أين المشمرون؟
هناك 6 تعليقات:
مش عارفة أعلق أقول ايه يا خالتو
هؤلاء هم حقا الرجال تحقق فيهم قوله عز وجل ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا ))
نحسبهم على خير ولا نزكي على الله أحدا
وجزاك الله خيرا لإن حضرتك نقلتلنا تلك الكلمات الرائعة
فى حاجة كمان عاوزة أقولها اليقين بنصر الله هو دوما من خصال المؤمن
ولعلنا نفقه
كلمات رقيقة جدا لأخي عبدالناصر تقبل الله منه ومن جميع المتاجرين مع الله بتجارة لن تبور
وأمح من ثنايا الكلمات تسليما عميقا باختيار الله عز وجل للعبد من عباده وعزما أكيدا علي مواصلة المسيرة الله الله عز وجل
لكن ملاحظة بسيطة جدا علي القول(إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم) واري ان كل شئ بيد الله عز وجل ولا يملك العبد من المقادير شيئا (قل كل من عند الله)
شكرا لكم
المقصود بعبارة إن الذي عمره بيد غيره أي الذي عمره بيد الله
جزاك الله خيرا علي التوضيح أخي الكريم واوجه اليك رجاء من منبر هذه المدونة الرصينة بأن نري ابداعاتك التدوينية كما عهدناك دوما
أكرر
شكرا لكم
جزى الله كاتبها كل الخير وحفظه من كل سوء.
خديجةلك كل التحية على نشاطك ومشاركتك القيمة
د/ إيهاب
أسعدتنى مشاركتك وتعليقك القيم وماشاء الله لديكم نشاط متميز
وتواصل ملحوظ وتعليقات نتعلم منها الكثير
جزاكم الله خيرا
إرسال تعليق